لم أر عصرا من العصور اكتمل فيه الباعث على الحديث عن عالمية الدعوة الإسلامية كالعصر الذي نعيش فيه . وقد تحققت للإنسانية وسائل عالمية جعلت الناس يسمع بعضهم بعضا ويرى بعضهم بعضا كأنما يعيشون في بيت واحد ، ولم يعد الإنسان بما أرى من آيات في الأنفس والآفاق حبيس أرضه أو أسير قومه بل غدا - بما تحقق له من وسائل - إنسانا عالميا يحتاج في جميع أمره إلى أسس عالمية للتعامل مع الأجناس المتنوعة والشعوب المتعددة والألوان والألسن المختلفة والأغراض والمصالح المتداخلة أو المتباينة . والدعوة الإسلامية - وهي تنتسب إلى الحق وحده دون سواه - لها أعماقها في فطرة الخلق وحقائق الوجود . فليست دخيلة على فطرة الناس أو بعيدة عن شئون الخلق وهي ترشد إلى الغاية وتدعو إلى الاستقامة و تهدي للتي هي أقوم وتعنى بكل شأن فى كل زمان ومكان وتحفظ النفس من التردي في الباطل في قصد أو قول أو فعل وتعلي من قيمة الإنسان حيث كان وهي تعلمه أن الأشياء مع عظمها وكبرها خلقت من أجله وسخرت له . وأنه خلق لعبادة ربه فلا يسجد لغيره ولا يذل لسواه وهي ذات معالم وحدود تقي الإنسان من ظلم نفسه أو ظلم غره وهي بفرائضها ومعالمها وحدودها تزكي النفس وتنمي الروابط وتحفظ الحقوق وتصون القيم والأخلاق وتحدد للمجتمع البشري كله طريق أمنه وسلمه وتدعو إلى تعارفه وتحذر من تناكره . العبيكان للنشر 1995