كانت الوصايا ولا زالت إحدى أهم القيم في التراث البشري عامة، ولكنها في التاريخ الإسلامي اكتسبت مكانة وعمقا وبعدًا دينيًّا، لم تعرف له البشرية مثيلًا. تحمل وثائق الأوقاف والوصايا الأسرية دلالات دينية وتاريخية واجتماعية مهمة، ومن أهم الوثائق الأسرية ذات الدلالات المهمة: الوصايا التي يكتبها الإنسان في آخر حياته، ويخاطب بها أبناءه وأحفاده بعد وفاته، ليوجههم، ويحثهم على أشياء مهمة. ومما يلاحظ على وصايا أهل نجد عمومًا: الحرص على الأوقاف بأنواعها، وذلك تطبيقًا لقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة؛ إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم. وبين يديك أيها القارئ الكريم هذا الكتاب (وصايا أهل البكيرية)، الذى قضى فيه المؤلف عدة سنوات؛ لرصد وصايا وأوقاف هذه المدينة، وتحليلها وسبر أغوارها، المدينة التي أنجبت العديد من العلماء والأفذاذ في مجالات شتى تجلت في هذه الوصايا، التي يزيد عددها على مئة واثنتي عشرة وصية، منتقاة من مدة زمنية تقارب الثلاثة قرون، وهي بين وصايا للذرية، وأخرى على بناء المساجد، ووقف المصاحف والكتب، وثالثة على الأئمة والمؤذنين، ورابعة على الصائمين، وخامسة على طلاب العلم والمدارس ودور وحلق القرآن الكريم، في موضوعات لها دلالات، وعمق ديني، وتاريخي، واجتماعي. وسيلحظ القارئ الكريم في هذه الوصايا تنوع العمل الخيري والاجتماعي، والاهتمام بترسيخ عقيدة السلف الصالح، كما سيلاحظ الجهد الذي بذله المؤلف بالتحليل والوصف والتدقيق، وضبط التواريخ والأعلام والأحداث، وشرح الكلمات الغامضة والمبهمة، كما حوى الكتاب العديد من الفهارس، التي تساعد القارئ على الرجوع للمعلومات في مظانها. محمد بن عبد الله الفريح